الفصـل التاسع عشـر:
سنبكـي اليوم وغدًا.. ونضحك بعد الغد وإلى الأبـد.
في طريق هبوطه الي الاسفل سمع صوت بكائها العالي، الذي وتره واغضبه، فتح بابها بعنف ودخل فأنتفضت هي بفزع رأته يقترب منها بغضب ارتعشت اوصالها لرؤيته، وصل لها، مـد يده ليمسك بكتفها الذي ما زال يؤلمها من مسكته السابقة ويقول بغضب وهو يعدل جلستها:-
_مش عايز اسمعلك صوت، انتي فاهمة؟ لحد ما تمشي من هنا عايزك خرسة
اؤمات بنعم وهي تبكي وتشهق بعنف، فصاح وهو يزيد من ضغطة يده عليها:-
_انتي مبتفهميش؟ حتي صوت عياطك مش عايز اسمعه
والقاها بكامل قوته بعيدًا عنه وهو يصيح:-
_غوري من وشي، انا مش طايقك.. مش طايق ابصلك ولا اشوفك، بحس اني شايفه فيكي
استكانت حيث القاها علي الارض، وضممت جسدها لها تخفي وجهها بين اقدامها وتشهق وتبكي بلا صوت كي لا تغضبه اكثر، تبكي حالها وحظها.. حياتها ونسبها.. تبكي كل شى واي شى، تبكي حزنًا علي نفسها وعليه، وشفقةً علي قلبها وعليه، ليست غاضبة منه بل من الدنيا التي ضاقت ذرعًا بهم فما جمعت سـواء بين ابنة قاتل وابن مقتـول! تـود لو ان تنهض وتقترب منه تربت علي كتفه وتخبره انها ليس لها ذنب وتهديه تود و.. ما يمنع؟ خوفها.. لا. لن تخاف منه
ستخاف من العالم اجمعه لكن هو ليس ضمن هذا العالم..
لذا نزعت نفسها من القوقعة التي سقطت فيها ونهضت ببطء، رفعت عيناها عن الارض فوجدته مازال يقف امامها في غرفتها.. يعاود خصلات شعره للخلف وهو ينظر لها بـ غـل
ايقنت انه غير موجه لها، بل الي مَن تشاركت معه الدم بدون رغبتها، اقتربت منه راكضة واحتضنته دون سابق انذار، تجمد جسده قليلًا قبل ان يرفع يداه و.. قبل ان يحضنها تذكر.. جثمان والده.. بكاء والدته وانهيارها، شقيقته التي تبكي ولا احد يستطيع مساعدتها، اختفاء عمته بينار وعند عودتها كانت كالجثة الهامدة.. تذكر وتذكر.. فبدلًا من ان يحضتنها دفعها عنه بعنف
وهو يصرخ:-
_بكرهك.. بكل ذرة فيا بكرهك
وكم هو مضحك القدر.. جهز هذة العبارة من ايام ليقولها لها، مبدلًا كلمة الكرة بالحب ولكن.. الاعيب القدر دومًا ما تفاجئ البشر
تلك المرة اصطدمت رأسها بحافة الخزانة المدببة فجرح رأسها وسقطت ارضًا من ارهاقها ولم تحاول ان تنهض ثانيةً، فهي ما زالت جديدة في عالم المثابرة والقوة والمحاولة.. لم تأخذ دروس كفاية لجعلها تحاول وتحاول حتي تفني الطاقة..
نـزفت رأسها عدة قطرات دماء، عندما رأها الاخر جن جنونه واقترب منها يتفحص جرحها بلهفة وقد نسـي كامل بغضه لها ونفوره منها.. احتضن وجهها بين كفيه وهو يقول بأهتمام جم:-
_انتي كويسة؟ بتوجعك؟
اؤمات بالنفـي وهي تغمض عيناها بألم يتفاقم داخلها ليس بسبب الجرح إنما ألم نفسي، حملها علي يداه ووضعها علي الفراش، دخل الي حمام غرفتها واحضر علبة الاسعافات الاولية واقترب لينظف الجرح.. قطع عليه ما يفعله صوت طرقات علي الباب ودخول الخادمة قائلة:-
_عدي بيه مشي علشان جاله اتصال مهم، بيقولك انه لسة عايز يتأكد من حاجة وبعدين هيقابلك..
لم يهتم بما قالته، بينما اؤمي بنعم دون اهتمام وغادرت هي..
أنتهي من وضع لازق طبي علي الجرح، ابتعد عنها قليلًا وهو يسأل:-
_كويسة؟
اؤمات بنعم وهي تفتح عيناها التي كانت تغلقها براحة وهي تشعر بالسعادة من قربه منها واهتمامه بها، الذي بـدد كامل كرهه وغضبه منها حينما شعر بالخوف فقط عليها.
ردد وهو يبتعد عنها:-
_كويس..
مـدت يدها وأمسكت بيـداه، نظر لها مستفهمًا فأردفت:-
_مطلقنيش ارجوك.. انا مليش مأمن غيرك ومش بلجأ غير ليك
واقتربت منه.. تدفن نفسها بين احضانه، وترفع عيناها تطالعه بحزن سائلة:-
_هترضي تمنع انسان عن اول واخر سبب مخليه ماسك في الحياة؟!
لم يرد.. بل جُمد جسده بين يداها، بينما تابعت هي وهي تغمر نفسها بين احضانه اكثر:-
_كان فيه الف طريقة تخليني اتخلص من رشوان بس انا اخترتك انت! زي ما كون كنت بتلكك علشان اشوفك واقرب منك.. من لما جمعتنا اول رقصة وانا مش بنسـاك، مسبتش ولا ليلة غير لما تزور خيالي، ومفوتش حلم الا و زورتني فيه، كنت الحاجة الوحيدة اللي بتخليني اعدي يومي علشان ارجع احلم وافكر بيها في الليل، انا لقيت نفسي بروحلك وبلجألك، مكنتش عارفة رد فعلك اية،لما رفضت مزعلتش منك بس حسيت اني خسرت كل حاجة حلوة في حياتي..
تنهدت وقد دمعت عيناها، كادت تبعد عنه، لكنه مد يده واحتضنها تلك المرة، فتبسمت متابعة:-
_حسيت كأنك بتتخلي عني رغم ان رفضك هو رد الفعل الصحيح بس انا فكرت اني ممكن اكون شاغلة بالك زي ما انت شغلت بالي! لما رفضت قولت خلاص.. كل حاجة انتهت يا اخلص من رشوان يايخلص مني و..
قاطعها وهو يمرر يداه بين خصلات شعرها، ك اب يصفف شعيرات صغيرته:-
_يمكن مزورتيش احلامي زي ما زورتك.. ولا شغلتي بالي زي ما شغلتك، بس انتي السـت الوحيدة اللي خلتني اقطع عهدي مع نفسي واقرب منها.. انتي الوحيدة اللي خلتيني في يوم معرفش انام من التفكير والسعادة، كنتي بتزوري افكاري كل فين وفين.. مش دايما زي ما بزورك، لكنك لما كنتي بتعدي علي بالي ببتسم.. زي ما تكوني طيف كل ما يحس بعتمة حالي بيجي يطيف وينورها ويمشي.. في حاجة فيكِ كانت بتخليني احبك بس.. مبقاش ينفع، احساسي اتجاهك مينفعش
سألته بدموع:-
_لية؟ علشان بنت فاروق دا؟ واحد معرفش غير اسمه! مفكرش فيا ولا يوم، ولا جيت في باله، سابني في جحيم ممكن يكون عارف اني فيه ومفكرش ينقذني؟ هتعاتبني علشان دم واحد بيجري فيا بغير أرادتي؟ طيب وهو بأيدي؟ لو بأيدي مكنتش هختار ابقي انا ولا رشوان يتحكم في حياتي وكل سنين عمري، مكنتش هتمني ابقي ضعيفة، كنت هتمني اعرف الحقيقة، كنت هتمني ابقي قوية، كنت هتمني اعرف اللي ماتت دي امي ولا لا.. نزار.. انا معرفش مين امي!
انا لأول مرة اخد بالي ان دي ممكن متكونش امي! وان الفرق بين عمري وعمر زياد اخويا ست شهور واني مفيش شبه بيني وبينها ولا بين زياد.. نزار.. انا اول مرة احس اني وحيدة، لو سبت هنا مش هلاقي مكان تاني يمسك فيا.. ويسأل عني، انا محدش حبني ومعرفتش احبب حد فيا، قولي لو بأيدي كنت هخلي حياتي تعيسة كدا؟
لم يعرف بماذا يرد، ربما أن الآمه اكبر لكنه لا يتجاهل اوجعاها هي قـط، في عـز الآمه وجد من يسنـده، لكن هي.. حتي نفسها فشلت في ان تجبرها.
ابتعد عنها قليلًا، ولم تمانع بل ابتعدت ونظرت له.. تواجهه.. تريد ان تعرف خلاصها..
صمت لـ لحظات قبل ان يقول بدون وعـي منه:-
_ولو بأيدي مكنتش اخترت أحبك يانازلي..
ونهض عن جلسته وغادر تاركًا اياه في صدمة من اعترافه، نادته بزهول:-
_نِـزار؟
كأنه تسأله أصادق انت؟
تقول الحب في غمر الوجع؟
تحزن قلبي وتجبره في غمضة عين؟
قال بينما مازال يعطي لها ظهره:-
_أعمي القلب اللي يعرفك وميحبكيش.. وانا قلبي بصير، مين كنتي.. مين هتكوني.. فيه سـد بينا او متيـن.. نار وجنة هتفرقنا.. فراق وموت هيبعدنا.. اي كان بينا اية.. في الاخير اخترت احبك
وتركها في جنة الأرض تحيا..
*****
ركبت السيارة وهي تسأله بضيق:-
_عايز اية ياعدي؟ لية اصريت اخرج معاك وانت عارف اني..
قاطعها:-
_مامتك فاقت
تجمدت في جلستها بعدم تصديق.. لا تصدق ان والدتها التي لازمتها غيبوبة منذ شهور قد فاقت اخيرًا، لقد كانت قد بدات ان تفقد املها، سألته وقد دمعت عيناها سعادةً:-
_بجد؟
اؤما بنعم وهي يبدأ بقيادة السيارة، بينما هي تكاد تقفز في مكانها من شدة سعادتها، كانت تطلب منه كل فر ومر ان يزود من سرعته ولكنه كان يسير علي سرعة واحدة.. متوسطة
قالت بتزمر:-
_عدي.. اسرع شوية
هتف وهو ينظر لها بأيلام:-
_مستحيل.. فاكرة اخر مرة ركبت معاكي وسوقت بسرعة عملتي اية؟
وهل تنسـي! بعد كتب كتابهم لأجل عمل عملية والدتها، ودخول والدتها بغيبوبة، اخذها ليقلها الي حيث منزلهم، الذي كانت ستدخله لأول مرة، ووسـط شرودها ونقمها عليه وحزنها.. وجدت نفسها تأخذ منه عجلة القيادة وتحركها بعشوائيـة يمينًا ويسـارًا، حاول هو ان يتحكم فيها بكل عزمه ولكنه لم يستطع وقاما بعمل الحادثة التي اثرت علي اقدامها من خلالها، بينما خرج هو معافيًا..
تنهدت بالم مم تلك الذكري وهي تدرك انها كم كانت حقًا مخطئة بحقه
مدت يدها تمسك بيده التي يضعها علي المقود:-
_انا بجد اسفة، انت شوفت كتير بسببي
قال وهو يشير بعيناه علي يدها التي علي يده:-
_طيب ابعديها عني لأحسن المرة دي نعمل حادثة بموافقتي الحرة
ضحكت وهي تبعدها عنه، بينما عَلي مذيـاع سيارتهم علي غفلة متغنيًا
” روحي.. لاغية جروحي وانت معايا بطمن.. كلهم مركز تاني وانتي عندي انا الاول “
بينما بمزرعة المنشاوي بذلك الوقت.. طرق يامن باب غرفة شقيقته ودخل وهي يقول بجدية:-
_في حاجات مهمة لازم تعرفيها
قاطعته هاتفة بنبرة جامدة.. لا روح فيها:-
_نازلي.. مرات حبيبي.. اختي
توقفت الكلمات علي شفتيه وهو يسمع حديثها..
دخلت بينار غرفة نازلي بعدما علمت بأمر جرحها من الخادمة التي رأتها، كانت قد طرقت الباب عدة طرقات لكنها لم تسمع ردًا، ف فتحته ودخلت باحثة عنها، وجدتها تقف امام مراة الغرفة ترتدي فوطة كبيرة وشعرها مبلل يبدو انها خرجت من الحمام حالًا، كادت ان تتحدث لكن رفع شعر الاخري وضمه علي جنب واحد لكني تستطيع ان تجففه.. جمد جسد بينار وجحظت عيناها وقد وقعت عيناها علي رقبتها التي تراها عارية لأول مرة منذ مجيئها.. تطلع لها بصدمة وقد بدأت تتأكد شكوكها شيئًا ف شيئًا و…
اترك رد